تكررت الأسئلة عن حكم ذهاب النساء إلى ما يسمى بـ (الحمامات المغربية) وما موقف الشريعة من تردد النساء على مثل هذه الأماكن؟
والجواب عن ذلك أن يقال:
إن من محاسن الإسلام العظيمة، وتوجيهاته الكريمة، ومقاصده الجليلة في صيانة الأعراض وحفظها من كل ما يدنسها أن أمرَ بستر العورات، ونهى عن إبدائها أو النظر إليها لغير ضرورة شرعية تدعو إلى ذلك، ومن النصوص في ذلك:
1- قوله صلى الله عليه وسلم: «نهيت عن التعري». أخرجه الطيالسي، وينظر في تخريجه السلسلة الصحيحة برقم (2378).
2- عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول صلى الله عليه وسلم قال: «غطِّ فخذك؛ فإن فخذ الرجل من عورته». أخرجه أحمد والحاكم وصححه الألباني.
3- وعن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال: قلت: يا نبيَّ الله، عوراتنا، ما نـأتي منها وما نذر؟ قال: «احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك». قلت: يا رسول الله، إذا كان القوم بعضهم في بعض؟ قال: «إن استطعت أن لا يرينها أحد فلا يرينها». قلت: يا نبيَّ الله، إذا كان أحدنا خاليا؟ قال: «فالله أحق أن يستحيا منه من الناس». أخرجه الترمذي وحسنه، والحاكم وصححه، والبيهقي وغيرهم، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (203).
4- وعن عبد الله بن الحارث بن جَزْء الزبيدي صلى الله عليه وسلم أنه مرَّ وصاحب له بأيمن، وفئة من قريش قد حلوا أزرهم، فجعلوها مخاريق يجتلدون بها وهم عراة، قال عبد الله: فلما مررنا بهم قالوا: إن هولاء قِسِّيسون فدَعُوْهُم، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج عليهم، فلما أبصروه تبددوا، فرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم مغضبا حتى دخل، وكنت وراء الحجرة، فسمعته يقول: «سبحان الله، لا من الله استحيوا، ولا من رسول الله استتروا». أخرجه أحمد والبزار وأبو يعلى وصححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة برقم (2991).
فغضبه صلى الله عليه وسلم وتمعر وجهه من هذه الحالة التي شاهدها، واستياؤُه من تلك الصورة التي رآها يدل على أنها ليست من دينه، ويدل أيضا على قبح ذلك المنظر وشناعتِه.
5- وثبت في صحيح مسلم من حديث أبي سعيد الخدري صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل، ولا المرأة إلى عورة المرأة، و لا يفضي الرجل إلى الرجل في ثوب واحد، ولا تفضي المرأة إلى المرأة في الثوب الواحد».
فهذه النصوص وغيرها مما لم يذكر كلُّها دالة دلالة صريحة على وجوب ستر العورة، وحرمة التساهل في إظهارها إلا فيما أذن فيه الشرع من الرجل مع زوجه أو أمته، وما هذه العناية من الإسلام بشدة المحافظة على العورات... والنهي عن كشفها، إلا لما في حفظ العورات والابتعاد عن النظر إلى الفروج التي لا تحل من الاحتشام، وصيانة العرض، وقمع الفاحشة، وصلاح الأخلاق، ودرء المفاسد العظيمة المترتبة على التفريط في ذلك؛ فإن كشفها أمام الناس والتساهل في ذلك من المنكرات العظيمة.
وما تقدم بيانٌ لعموم الأمة- رجالا ونساء- في وجوب ستر عوراتهم والمحافظة على ذلك.
وأما العناية بالمرأة على وجه الخصوص فإن الدين الإسلامي الحنيف بتوجيهاته السديدة، وإرشاداته الحكيمة، صان المرأة وحفظ شرفها وكرامتها، وتكفل بتحقيق عزها وسعادتها، وهيأ لها أسباب العيش الهنيء، بعيدا عن مواطن الريب والفتن، والشر والفساد، وهذا كله من عظيم رحمة الله بعباده، حيث أنزل عليهم شريعة ناصحة لهم، ومصلحة لفسادهم، ومقومة لاعوجاجهم، ومتكفلة بسعادتهم، وتلك التدابير العظيمة التي جاء بها الإسلام تعد صمام أمان للمرأة بل للمجتمع بأسره من أن تحل به الشرور والفتن، وأن تنزل به البلايا والمحن، وإذا ترحّلت ضوابط الإسلام المتعلقة بالمرأة على المجتمع حل به الدمار، وتوالت عليه الشرور والأخطار.
ومن تلك الضوابط العظيمة المتعلقة بالمرأة: أمرها بالقرار في بيتها وعدم خروجها منه إلا لحاجة. يقول صلى الله عليه وسلم: «المرأة عورة؛ فإذا خرجت استشرفها الشيطان، وإنها لا تكون أقرب إلى الله منها في قعر بيتها». أخرجه الطبراني في الأوسط، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم (2688).
قالت اللجنة الدائمة- سددها الله-: (ومعنى الحديث أن المرأة ما دامت في خدرها فذلك خير لها وأستر، وأبعد عن فتنتها والافتتان بها، فإنها إذا خرجت طمع فيها الشيطان فأغواها وأغوى بها الناس إلا من رحم الله؛ لأنها تعاطت شيئا من أسباب تسلطه عليها وهو خروجها من بيتها، فالمشروع في حق المرأة المسلمة التي تؤمن بالله واليوم الآخر أن تلزم بيتها، ولا تخرج منه إلا لحاجة مع الاستتار التام لجميع جسمها، وترك الزينة والطيب عملا بقول الله سبحانه: {وقَرْنَ فِيْ بُيُوْتِكُنَّ وَلاْ تَبَرَّجَنَّ تَبَرَّجَ الجَْاهِلِيِّةِ الأُوْلَىْ...} إلخ).
ولهذا كان من تدابير الإسلام القويمة التي جعلها للمرأة هو تحريم ذهابها إلى الحمامات والتردد عليها، فإن هذه الحمامات قد كانت موجودة على عهد النبي صلى الله عله وسلم، ولذا بين حكمها لأمته، يدل لذلك ما ثبت في مسند أحمد والدولابي في الكنى بسندين أحدهما صحيح وقواه المنذري من حديث أم الدرداء رضي الله عنها قالت: خرجت من الحمام فلقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «من أين يا أم الدرداء؟» قالت: من الحمام. فقال صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده، ما من امرأة تضع ثيابها في غير بيت أحد من أمهاتها، إلا وهي هاتكة كل ستر بينها وبين الرحمن».
فدل هذا الحديث على حرمة ذهاب المرأة إلى هذه الحمامات فإنه يلزم من ذلك وضع ثيابها عنها، وهذا فيه هتك كل سترٍ بينها وبين ربها جل وعلا.
وثبت أيضا من حديث عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما من امرأة تخلع ثيابها في غير بيتها إلا هتكت ما بينها وبين الله». أخرجه أبو داود والترمذي، وقال الألباني في صحيح الجامع: صحيح.
وثبت أيضا من حديث أم سلمة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أيما امرأة نزعت ثيابها في غير بيتها، خرق الله عز وجل عنها سترها». أخرجه أحمد والحاكم وغيرهم وصححه الألباني في صحيح الجامع.
ومن تأمل حال هذه الحمامات وجد فيها محاذير متعددة، ومفاسد متنوعة واحدة منها تكفي للزجر عن دخولها أو التردد عليها، ومن هذه المفاسد:
أولا: خلع المرأة ثيابها في غير بيتها، وهذا فيه ارتكاب صريح لنهي النبي صلى الله عليه وسلم الوارد في هذه المسألة.
ثانيا: أن هذه الأماكن يقع فيها كشف للعورات وإظهارها، وبعض الذاهبات ربما تحفظت من كشف عورتها لكنها لا تسلم من النظر إلى غيرها من النساء، بل قد تتعمد بعضهن النظر خاصة إن كان من بين النساء امرأة ذات جمال، وهذا فيه مخالفة لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل، ولا المرأة إلى عورة المرأة...».
يقول العلامة ابن القطان الفاسي المتوفى سنة (628هـ) في كتابه العظيم المسمى بـ(النظر في أحكام النظر بحاسة البصر) ص237: (لا خلا ف بين الأمة في منع بعضهم- أي النساء- من النظر إلى عورة بعض، ولا في منعهن من تجريد العورات للنساء أمثالهن كتجريدهن إياها للرجال، هذا ما لا نزاع فيه، فإذا: إن قدرناهن يدخلن الحمام متجردات العورات فلا يتخالج أحدا شك في تحريم ذلك... فإن قدَّرنا منهن من تدخل متسترة العورة، ومنهن من تدخل منكشفتها فكذلك؛ لأنه لا فائدة في استتارها وهي ترى غيرها منكشفة...).
ثالثا: أن التردد على هذه الأماكن لا تخلو من لمسِّ العورات من قبل المغسلات، وهذا فيه ما فيه من العواقب الوخيمة من مثل حصول الفتنة بأجساد بعض النساء، وربما أدّى ذلك إلى الوقوع فيما لا تحمد عقباه من المباشرة المحرمة بينهنَّ خاصة إن وافق ذلك طواعية من الطرفيين وخفة في الديانة، وضعف في الإيمان، وإن سلمت المرأة من ذلك فإنها لن تسلم من أن تُوصَفَ لغيرها من النساء، هذا إن لم يتعد وصفها للرجال الذين على شاكلة أولئك المغسلات، وفي هذا كلّهِ ارتكاب لما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه بقوله: «لا تباشر المرأة المرأة، فتنعتها لزوجها كأنه ينظر إليها». أخرجه البخاري من حديث ابن مسعود صلى الله عليه وسلم.
وهذه الحمامات لا يبعد أن توجد بها (كاميرات خفية مصغرة) تقوم بعملية تصوير اغتسال المرأة، وهذا فيه سعي ظاهر للتلاعب بأعراض نساء المسلمين، والنظر إلى عوراتهن، بل وربما نَشَر ذلك وتناقَلَه- بين الفَجَرة والفَسَقة- الذين يتتبعون عورات المسلمين، سواء عبر الشبكة العنكبوتية (الإنترنت) أو غيرها من طرق الفساد؛ ولهذا فإن امتناع المرأة عن الذهاب إلى هذه الأماكن وما شابهها فيه مصالح عظيمة تجنيها المرأة في دينها، وعرضها، وخلقها، وكذلك فإن امتناعها دفعٌ للتهمة عن نفسها أو سوء الظن بها من قِبَلِ الآخرين، فإن هذه الأماكن لا يردها- في الغالب- إلا رقيق الدين.
ومن هنا يتعين على الأزواج وأولياء أمور النساء منعهن من الذهاب إلى هذه الحمامات، فإنهم مسئولون عنهن يوم القيامة، بل إن منعهن من علامات الإيمان كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يُدْخِلْ حليلته- أي زوجته- الحمام». أخرجه الترمذي والحاكم من حديث جابر وحسنه الألباني.
وعليهم أن يقوموا بما أوجب الله عليهم نحوهنَّ من التعليم والتأديب وحسن الرعاية عملا بقوله تعالى: {يَا أَيَّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوُا قُوُا أَنْفَسَكُمْ وأَهْلِيْكُمْ نَارًا} الآية، هذا وبالله تعالى التوفيق وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه.
الكاتب: يوسف بن حسن بن محمد الحمادي.
المصدر: موقع لكِ النسائي.